في قلب التراث الإماراتي النابض، وتحت ظلال نخيل العطاء، انطلقت في 25 يوليو الجاري فعاليات النسخة الثانية من مهرجان دبي للرطب، في موقع قلعة الرمال على طريق دبي – العين، مستحضرة عبق الماضي بروح الحاضر، في تظاهرة تحتفي بالنخلة كرمز أصيل من رموز الهوية الوطنية الإماراتية، ومصدر فخر ثقافي وزراعي عريق.
الاحتفاء بالموروث الزراعي
بتنظيم من مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، يهدف الحدث إلى تعزيز مكانة النخلة المباركة، ودورها المحوري في حياة الإماراتيين منذ القدم، حيث لم تكن مجرد شجرة، بل شريان حياة اقتصادية وغذائية واجتماعية. وبدعم من العديد من الجهات الحكومية والخاصة، بات المهرجان منصة شاملة تجمع بين الترويج للمنتج المحلي، والاحتفال بالتراث، والتوعية المجتمعية.
تتضمن نسخة هذا العام 13 شوطًا متنوعًا، من أبرزها:
شوط “نخلة البيت” – برعاية صندوق الفرجان
شوط الجهات الحكومية
شوط “حلوة دبي” – أحد أندر الأصناف، برعاية متحف الشندغة
شوط “نخبة دبي” – برعاية إعمار
إضافة إلى منافسات أخرى مثل: أكبر عذج دبي، خلاص دبي، خنيزي دبي، بومعان عام، نخبة عام، وكأس الندر.
ويمكن للراغبين في المشاركة التسجيل عبر الموقع الرسمي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، حيث تُشرف لجنة تحكيم متخصصة على تقييم المشاركات، برئاسة سعيد خليفة بن ثالث، وبمشاركة خبراء في زراعة وتقييم التمور.
فعاليات مجتمعية وثقافية غنية
يمتد المهرجان على مدار ثمانية أيام من الساعة 10 صباحًا حتى 10 مساءً، متيحًا للزوار تجربة تراثية متكاملة تشمل مسابقات، ورشًا توعوية، عروضًا فنية حية، وركنًا خاصًا بالعائلات والأطفال، في بيئة تجمع بين التعلم والمتعة، وتُكرّس قيم العمل الزراعي والهوية الإماراتية.
ويشهد المهرجان أيضًا مزادًا لأجود أنواع النخيل، بالتعاون مع الإمارات للمزادات، في فعالية تجارية فريدة تستمر سبعة أيام، وتُعزز من القيمة الاقتصادية للتمور المحلية.
رسالة وطنية من قلب المجتمع:
قال عبدالله حمدان بن دلموك، الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث
“عملنا على تحويل (دبي للرطب) إلى مساحة مجتمعية حيّة، تلتقي فيها النخلة مع الناس ونبضهم اليومي، لتعكس عمق العلاقة بين الأرض والإنسان. المهرجان ليس مجرد فعالية، بل رسالة وطنية تُجسد ارتباط الأجيال بالموروث، وتدعم استدامة القطاع الزراعي.”
وأكد أن مبادرات هذا العام، مثل “مزاد النخيل” و”شوط حلوة دبي”، تمثل نقلة نوعية، مشددًا على أن الشراكات المؤسسية، والتعاون مع القطاعين الحكومي والخاص، كان لها دور رئيسي في إثراء المحتوى وتوسيع نطاق التأثير المجتمعي والثقافي للمهرجان
وفي مشهد تتداخل فيه رائحة الرطب مع دفء الذاكرة، يُطلّ «دبي للرطب» كرسالة حب من الأرض إلى الإنسان، وكأن النخلة تمدّ جذورها لا في التربة فقط، بل في وجدان كل إماراتي.
إنه احتفال لا تقتصر أصداؤه على ساحات المهرجان، بل تمتد إلى البيوت، والقلوب، والضمائر، ليعيد إلى كل فرد إحساسه العميق بالانتماء، والفخر، والمسؤولية.
فـ«دبي للرطب» ليس مجرد منافسة في عذج أو شوط، بل دعوة مفتوحة لأن تكون النخلة في كل بيت، شجرةً تُعلّمنا الكرم، وجذرًا يُثبتنا في أرضنا، وسقفًا من الظلال يحمي أحلام الأجيال.
إنه نبض جماعي، يربط الطفل بجدّه، والمزارع بتراثه، والمؤسسة بمسؤوليتها، في منظومة وطنية تحتفي بالجمال، وتُكرّم العطاء، وتؤمن أن لكل نخلة قصة، ولكل ثمرة معنى، ولكل بيت دور في حفظ هذا الإرث العظيم. “دبي للرطب” ليس مجرد مهرجان موسمي، بل هو لوحة حيّة ترسم بألوان الرطب ونبض الأرض قصة وطن، يتجدد فيه الالتزام بالتراث، وتُروى فيه جذور الكرامة والهوية، على أرض لا تزال النخلة فيها شامخة، تُعانق الشمس وتمنح الحياة